المقاومة المنظمة الهادئة المصرة
د. مازن قمصية
المشروع الصهيوني مخطط لها بعناية وبعلم. ثيودور هيرتزل كتب عام 1897 أن الدولة اليهودية ستتحقق "عن طريق كل وسيلة حديثة." وكما ذكر الأجندة تشمل إزالة السكان الأصليين مع أو من دون اتفاق من بعض العرب وإقامة دولة يهودية كبيرة. هرتزل لم يُحدد حجم "العقار المطلوب" للدولة لكن بن غوريون وآخرين قالوا أنها من الممكن أن تكون "ما بين النيل والفرات." بن غوريون وصف لابنه في عام 1937 كيف أن دولة إسرائيل الجديدة عند تأسيسها على جزء من أرضنا ستكون قاعدة للتوسع والنمو في المستقبل "مع أو من دون اتفاق من العرب". وبالفعل تطور ألاستيطان بدون اتفاقات مع عرب وأيضا (ربما تسارع) مع ألاتفاقات المبرمة: مع الحكومة العثمانية في 1878 ومع راغب النشاشيبي 1937 ومع الملك عبد الله 1947 ومع من وقعوا على معاهدة أوسلو 1993 واتفاق الخليل 1997. هذا ليس جديدا للحركات ألاستعمارية. بعض الأميركيون الأصليون وقعوا معاهدات لا تحصى عبر 200 عام مع حكومة الولايات المتحدة في مرحلتها التوسعية. وانتُهكت جميعها وانتهى المطاف بهم في كانتونات ((Reservations. حصل هذا أيضا بفضل فكرة زرعها ألاستعمار في عقول الجميع وهي أهمية الفصل العنصري وعدم جدوى المقاومة. بالقابل نظمت حركة المقاومة في فيتنام الشعب عبر عقود ليقبل التضحيات ويساعد الناس بعضهم بعضا.
لتحرير أجسادنا يجب أن نحرر عقولنا وهنا لا يمكن النجاح بناء على قواعد اللعبة ألإسرائيلية. احتياجات ورغبات المستعمرين لا يمكن تلبيتها من قبل شعب مُحتل. المحتلين والمستعمرين يريدون مزيدا من الفرص للتقدم عن طريق توطيد وتعزيز الوضع الراهن والسماح لهم للمزيد من التوسع. نحن الشعب المٌحتَل نريد وقف وعكس ذلك. السلام لنا هو الحصول على الحرية والعيش بكرامة. نريد العودة إلى بيوتنا وأراضينا والعيش بسلام كما فعلنا لآلاف السنين. نحن نصر على العودة وتقرير المصير. نحن نصر على أن البلاد يجب أن تبقى متعددة الأعراق، متعددة الديانات، ومتعددة الثقافات. مثل النضال في جنوب إفريقيا في ظل الفصل العنصري هذا ليس نزاعا على الحدود ولا يمكن حله بالتخلي عن حقوقنا. لكن أيضا لن نحصل على أي من حقوقنا باستجداء إسرائيل أو المجتمع الدولي. الطريقة واضحة وهي العمل والتضحية. هنالك هيكل منهجي مخطط له ومن الواضح أنه مع البطولات والتضحيات الملهمة التي نجحت بإفشال مخططات صهيونية كثيرة وتعطيل برامج أخرى فلا زال البرنامج الصهيوني قائما.
أعمال متفرقة من المقاومة الشعبية البطولية ليست كافية ويجب تنسيق وعمل مشترك. ما يعوق ذلك هو نظام وضعه المحتل ووافق عليه بعض من شعبنا كما وافق من قبلهم بعض قيادات الهنود الحمر. المحتل طور ألأمور ونشر فكرة أن خياراتنا هي بين سجن خفيف وسجن أصعب. هنا دخلت المفهومات الخاطئة عن "الواقعية". بدأ الانزلاق نحو "الواقعية" مع برنامج النقاط العشرة عام 1974. وبات واضحا ألآن لكل فلسطيني شارك أو ساعد في مسار أوسلو أن النتيجة كانت تقوية الاحتلال ومضاعفة ألاستعمار. هذا الاحتلال هو ألآن الأكثر ربحا في تاريخ البشرية (عدة مليارات من الدولارات تتدفق سنويا إلى خزائن إسرائيل نتيجة لهذا الاحتلال). ويجري تنفيذ صفقات تجارية إسرائيلية وفلسطينية على سبيل المثال في المنطقة (ج). وهذه هي "خطة السلام الاقتصادي" لنتنياهو. ويتم التحقيق مع ومعاقبة الأشخاص الذين قد يفكروا في تعطيل الوضع الراهن. لكن من الواضح أن الوضع الراهن مدمر بالنسبة لنا ولا يمكن أن يستمر. القيادة الحكيمة تنشأ عضويا من ناس تريدها ولا تسكت. لا ينبغي أن نتردد في الضغط على قادتنا الحاليين وإذا لم يستجيبوا فخلق قيادة بديلة تستجيب لتطلعات الشعب وتضحياته. اعتقد أن على كل الذين يحمون راتب أو موقف أن يفكروا في أطفالهم أو أحفادهم وكيف يعيشون في ظل نظام للعنصرية والاضطهاد لن يتوقف أبدا بدون هزيمة.
هل حان الوقت للتغيير وخاصة بعد فشل مسار "حل الدولتين"؟ هل حان الوقت لجمع شملنا كشعب من مناطق 1948 من الضفة الغربية وغزة والمنفى و إيجاد آليات وهياكل تأخذنا إلى ألأمام ليس بعاطفية بل بمخطط وترتيبات؟ لماذا لا يتحرك المثقفين الفلسطينيين لضمان وجود مخططات وطرق منظمة لتجنيد الطاقات المتوفرة والكامنة؟ هل يمكننا إقناع العالم والإسرائيليين أننا جادون في العمل من أجل مستقبل من السلام والعدالة والرخاء للجميع؟ يجب أن لا تهيمن أصوات سلبية على هذه المرحلة الحرجة. يجب أن يكون الحوار مفتوحا أمام ذوي النوايا الحسنة من جميع الفصائل والمستقلين. . لدينا الموارد المالية والفكرية والعاطفية والجسدية فلا ينقصنا إلا ألإرادة الجماعية للتغيير. هل نستطيع تجنيد 5٪ أو حتى 1٪ من الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم للمشاركة في جهد منظم؟.
العالم اليوم لا يحترم إلا أولئك الذين يحترمون أنفسهم. ليس لدينا ما نخجل منه بل لدينا الكثير لنكون فخورين به من تاريخنا (أنظر كتابي "المقاومة الشعبية في فلسطين: تاريخ حافل بالأمل والتقوية" والذي يسرد قصة 130 عام من النضال). الأزمة في فلسطين على ضمير العالم ورغم مشاكل الثورات العربية فالتغيير قادم لا محالة. حتى لو فشلنا في تحقيق هدفنا هذا الوقت فإن أي روح إيجابية وحركة شعبية من شأنها التغيير (لنتذكر نجاح الحركة ألأسيرة). نعرف من دراسة التاريخ أن من الممكن إطلاق العنان للإبداع والطاقة وأنه ليس هنالك المستحيل عندما تكون هنالك إرادة شعبية. يجب أن يحدث هذا لأن صراعنا هو صراع وجودي ل 11.5 ملايين فلسطيني في العالم ولمستقبل أبنائنا وأحفادنا الذين ولدوا أو لم يولدوا بعد. كل واحد منا لديه دور يلعبه ولديها المهارات والموارد الأخرى للمساهمة.
بات واضحا من انتصار الأسرى الفلسطينيون وما سبقها من انتصارات أن المقاومة المنظمة الهادئة المصرة هي الطريقة الوحيدة للدفاع عن الحقوق في ظل ألاستعمار والتخاذل العالمي والعربي وحتى الفلسطيني. الشهداء والجرحى والأسرى مهدوا لنا الطريق لنبذ الخلافات والتضحية والمسيرة للحرية. فلنترك الرصيف والتأمل ولنمشي سويا على الطريق.
د. مازن قمصية
==============
لميس اندوني--حياتهم في أعناقنا
معركة الأسرى هي فرصتنا للمشاركة في مواجهة بطولية وضرورية,
الحكومة الجديدة والبدائل والأسرى
No comments:
Post a Comment